متفرقات

“الوعد الصادق 2”.. سيف ايران على رقبة الكيان

“بيننا وبينكم الأيّام والليالي والميدان”..
وعدنا الصادق، غائبنا الذي لا يغيب.

قررت الجمهورية الإسلامية الرد العسكري على جرائم العدو الصهيوني، بالذات على اغتيال سماحة سيد الوعد الصادق، السيد حسن نصر الله، والذي سميت العملية تيمنًا به وبراية حزب الله في حرب تموز 2006، الرد –عسكريًا- جاء كصاعقة مفاجئة وصدمة عنيفة اكتسحت العدو على على كل المستويات، الإستراتيجي والعملياتي والتكتيكي، ثم أضيف عنصر خطير هو التوقيت، وقت أن تملك الغرور من العدو تمامًا، وظن أنه استرد بعضًا من ردعه المتداعي.

رد الجمهورية الإسلامية بعمل يقترب من درجة الكمال والجودة الفائقة، عبر خطة نموذجية، تنتمي إلى العقيدة العسكرية الإيرانية بإمتياز، ويكفي الإطلاع على خريطة القواعد والمناطق المستهدفة، لإدراك أن التوجيه للعملية جاء استنادًا على القوة الصاروخية الجبارة لطهران، وتلخص الفكرة المركزية في انتقاء الأهداف، وهو أسلوب حوّل الصاروخ من عنصر مساعد ومساند للعمليات الحربية الأخرى، إلى مسدد الضربات المحددة لمفاصل القيادة والتحكم وعقد الاتصالات، ضمن دوائر تضم قلب العدو أولًا، ثم الدوائر التي تحيط بهذا القلب، بما أنتج في النهاية مشهد الذهول الصهيوني غير المسبوق من التخطيط المبتكر والمنهجي للعملية “الوعد الصادق 2”.

وتنتمي ضربة الجمهورية الإسلامية لكيان العدو المجرم، يوم الثلاثاء الأول من تشرين الأول/ أكتوبر المبارك، إلى نوع جديد من ممارسة حق “العقاب” بحق الكيان المجرم، طهران التي انتظرت وعود الشيطان الأكبر بوقف الحرب على غزة لقاء عدم الرد على جريمة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية على أراضيها، وواجهت بشجاعة تخوين البعض واتهامات أطراف مندفعة وراء نزق التهور والجنون، كانت تريد أن تحقق نتيجة للشعب الفلسطيني البطل الصامد، ولما تبينت  اللعبة الأميركية باستهلاك الوقت، ثم وقعت واقعة ارتقاء سماحة السيد حسن نصر الله، فقد اختارت أن ترد على طريقتها، وتحصّل حساباتها مع الكيان بالجملة.

في الرد الإيراني المذهل عوامل عدة ترفعه إلى أن يكون واحدًا من أفضل القرارات التاريخية في مسيرة هذه المنطقة، أولًا: جاء الرد في عز العربدة الصهيونية وموجة الدماء الزكية التي أراقتها، وعلى رأسها بالطبع سماحة أميننا العام، سماحة سيد الوعد الصادق، ثم إنها جاءت معاكسة لسياق المبادرة الصهيونية عسكريًا، فالكيان اتجه إلى ما يقول إنه غزو بري محدود مع لبنان، لقد اختار معركته وحدد توقيتها ولم يكن باقيًا إلا تنفيذها، ثم إنه جاء في لحظة فاصلة يفتقد فيها المقاوم العربي إلى من يسنده، بعد غياب رمزنا الخالد، وأن صورة الرد جاءت بهذا الشكل الضخم المروع العظيم من حيث عدد الصواريخ، أو القواعد المستهدفة في كل أنحاء فلسطين المحتلة، وحين سُمعت صرخات قطعان المستوطنين، أدركنا فورًا عمق الأوجاع والآلام وعمق الرعب والخوف والانهيار وسطهم، دون مساحيق تزييف أو ألوان تزيين مستعارة.

وللحديث عن وصف ونتائج عسكرية بالمعنى الإستراتيجي والعملياتي، وقبلهما المعنى المنهجي المنضبط، فقد حاور موقع “العهد الإخباري” عددًا من الخبراء العسكريين، لمنح القراء فرصة الفهم الهادئ للتبعات متوسطة وبعيدة المدى لهذه العملية، التي سميت “الوعد الصادق 2″، وكأن من اختارها تقصد أن يعرف الصديق قبل العدو أن محور المقاومة “كالجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

وكيل المخابرات المصرية: نزعت أنياب الكيان

يقول وكيل جهاز المخابرات العامة المصري الأسبق ومسؤول غرفة العمليات خلال حرب أكتوبر 1973، اللواء محمد رشاد، في مقابلة خاصة لموقع “العهد الإخباري”، إن الكثيرين يقعون في خلط بين نتائج العمل العسكري وبين أهدافه الإستراتيجية، فالضربة الإيرانية التي تلقاها العدو الصهيوني لا يمكن قياسها أو حسابها بالخسائر المادية أو عدد القتلى أو مساحات الدمار التي أوقعتها، بل يقيم العمل العسكري بإنجاز الهدف الذي وضع قيد التنفيذ من أجله.

أضاف اللواء محمد رشاد، أن طهران، وكما صرحت على لسان رئيسها الجديد مسعود بزشكيان، أكدت أنها أجلت ردها على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية من أجل منح مباحثات وقف إطلاق النار في غزة فرصة للتحقق، وهو ما لم يحدث، ثم عدم الانجرار للحرب بتوقيت بنيامين نتنياهو، مقدرًا أن القيادة الإيرانية قررت الرد بعد موجة جنون العنف الصهيوني، الذي تمثل في مجازر لبنان “البيجر” و”الضاحية الجنوبية”، ثم جريمة اغتيال السيد حسن نصر الله، إلا أنه لا يجب تفويت أن الحرس الثوري كان مستعدًا طوال الوقت للرد، باعتباره ذراع الثورة ويدها الطولى القادرة.

وأوضح وكيل جهاز المخابرات المصري الأسبق، أن المخطط الإيراني الذكي استطاع استغلال كل نقاط ضعف العدو، ليوجه له ضربة قاصمة في أكثر المواضع حساسية لديه، فمساحة فلسطين المحتلة جعلت من الصواريخ الإيرانية تغطيها بالكامل وهي تستهدف المطارات والقواعد الجوية ووحدات الدفاع الجوى، رأى العالم أنه في لحظة واحدة نزل 7 أو 8 ملايين مواطن إلى الملاجئ المحصنة تحت الأرض، الدولة بالكامل كما لو كانت جسد أصابته شحنة كهرباء زائدة أو صدمة عصبية مفاجئة، أعقبها شلل يدل على الخواء والضعف الشديدين.

وقال إن الكيان يعلم –الآن- بعد الضربة الإيرانية، أن هناك قوة ردع كبيرة في المنطقة تفوقه في الإمكانيات والقدرات، لديها التصميم وتتمتع بالعناد، التي أثبتت بدورها إنها قوة قادرة تستطيع أن تخطف المبادرة، وتقوم بأي شيء لحماية حلفائها ومصالحها الوطنية وخياراتها الإقليمية ودوائر نفوذها ومقدرات البلد، وهذا أهم ما تمخضت عنه الضربة الإيرانية، إنها صدرت القلق والإحباط والفشل إلى المجتمع الصهيوني كله، فالجميع يشعر بعدم الآمان، وكل المناطق مفتوحة ومستباحة أمام الصواريخ، وأنظمة الدفاع الجوي التي صدع العدو رؤوسنا بها كانت صرحًا من خيال فهوى، وهو مشهد لم يعتده هذا الكيان طوال سنوات وجوده في المنطقة العربية، مؤكدًا أنه بعيدًا عن الخسائر العسكرية أو المادية فإن الضربة قد حققت أهدافًا ثمينة لطهران، وأولها حالة الصدمة النفسية العميقة التي تنتاب المجتمع الصهيوني اليوم.

“جبران”: عززت قوة ومصداقية طهران

أكد العميد ركن ناهي جبران، الخبير العسكري والإستراتيجي، في مقابلة خاصة لموقع “العهد الإخباري”، إن الضربة الإيرانية الصاروخية كانت واقعة حتمًا، لم تكن مفاجأة آلا تقبل طهران بمرور العدوان الصهيوني عليها دون رد رادع، موضحًا أنها أتت في الوقت المناسب طبقًا للمعايير العسكرية، فقد حدثت ضمن مهلة الوقت المقبولة، والأهم: أن ضربة “الوعد الصادق 2” رسخت وحدة الساحات، وعززت مصداقية طهران وقدراتها وصورتها، التي لم نشك لحظة فيها.

أضاف العميد الركن أن حجم الضربة الهائل قد وضع احتمال جر المنطقة إلى حرب واسعة، أو حتى الانجرار إلى أن تكون المواجهة في الشرق الأوسط ضمن الحرب العالمية التي تتعدد ساحاتها، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل أن العدو الصهيوني لا تردعه قوانين دولية ولا ترده مواثيق أو عهود، وهو يستعمل القوة المفرطة بشكل منهجي، ويمارس جرائمه ضد الإنسانية بشكل اعتيادي، وهو قد يبدأ توسيع الحرب في أي لحظة، دونما احتياج لعذر الضربة الإيرانية.

أشار “جبران” إلى أنه من ضمن جرائم العدو أنه يسعى إلى خلق كارثة إنسانية في لبنان، نحو 1.5 مليون مواطن لبناني من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، مع العلم أن أية دولة يُهجر حوالي ربع عدد سكانها خلال يومين فقط، كافٍ لصناعة كارثة إنسانية على كل المستويات، مشددًا على أن مواجهة القوة لا بد أن تجابهه قوة مماثلة، ورغم تفاوت الإمكانيات، فإن الحق سيظل هو الأقوى، وصاحب الأرض –كما علمنا التاريخ- قادر على الدفاع عنها، مهما بلغت التضحيات.
..
لو لم تكن لصواريخ الجمهورية الإسلامية من نتيجة إلا أنها رسمت البسمة على وجوه الفلسطينيين، لأول مرة منذ عام كامل، فقد كفت ووفت، لكن الرد الذي جاء ساحقًا على أي مقياس أو حسابات، استكمل مهمة بدأها محور المقاومة حين دشن إستراتيجية “وحدة الساحات” المباركة، فالكيان الصهيوني قد سلبت منه في 7 تشرين الأول/ أكتوبر المبارك 2023 قدرته على الردع، ثم دخل حزب الله إلى المعركة في اليوم التالي، ليؤكد تضعضع قاعدتي الردع والأمان لدى العدو، ويجبره على تهجير شمال فلسطين المحتلة بالكامل، وأخيرًا جاءت العاصفة من طهران لتكون الفعل الأبرع في استظهار القوة والمنعة والقدرة ووضع القوة الصهيونية في مكانها، مجرد متلقٍ للضربات، كما عنصر إضافي خفي ينقصنا اليوم أكثر من كل يوم، وهو الحسم، الحسم الواضح الحسم القاطع، ثم إن تسمية “الوعد الصادق 2” تضغط على الوعي العربي العام ليعيد الأولوية لقيمة ومبدأية “الثأر”، القادرة على تركيع أعتى القوى وكسرها.

 

المصدر: العهد الاخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى